mercredi 28 mars 2018
تاب سوشليات
سوشليات
تأليف: بسام السيد
لا داعي لأن نعود ونذكر مجددًا بأن شبكات التواصل الاجتماعي اليوم أصبحت أكثر من مجرد أنها كذلك ، وقد استدعى الانفجار الهائل في عدد مستخدميها الشركات المطورة لها لابتكار طرق جديدة لكسب المزيد من المال من خلالها وظهر ما يعرف بالتسويق الالكتروني و التسويق عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
"سوشليات" هو كتاب جديد باللغة العربية يركز على مجال تسويق الأفكار والمنتجات عبر الإعلام الإجتماعي . من إعداد بسام السيد وهو باحث ومتخصص في مجال الإعلام الاجتماعي حائز على شهادة الماجستير في الإعلام الرقمي.
بصفحات ملونة غنية بالرسومات التوضيحية يقدم الكتاب للقارئ معلومات عن 25 طريقة يمكنه الاستفادة منها في الترويج لأفكاره ومنتجاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي منها ماهو مجاني ومنها المدفوع أيضًا ، وبعد تصفحي للكتاب يمكنني أن أقول أنه سيفيد من بدأ حديثًا بدخول هذا المجال وربما سيضيف المزيد إلى تجربة المحترفين أيضًا.
لن تجد في الكتاب تفاصيل مملة أو عبارات صعبة معقدة سواء باللغة العربية أو الانجليزية بل ستجد العكس تمامًا . عبارات بسيطة مختصرة تشرح لك في أسطر قليلة آلية عمل كل أسلوب تسويقي ومساوئه و فوائده مع مكان مخصص لتدوين ملاحظاتك عنه أيضًا . لن تستغرق أكثر من دقائق معدودة لقراءة وفهم كل أسلوب من الأساليب المذكورة، وستجد أسفل كل أسلوب تسويقي إشارة إلى شبكات التواصل الذي يمكن تطبيقه عليها ماسيساعدك على تحديد خطتك بشكل أفضل .
وبعد انتهاء الجولة في أساليب وطرق التسويق الخمسة وعشرين يشير الكاتب إلى مجموعة من الأدوات والخدمات التي يمكن الاستفادة منها في عمل الحملات الإعلانية عبر الشبكات وربما أيضًا معرفة الأرقام و الإحصائيات الخاصة بحملاتك وصفحاتك وأيضًا بعض الأدوات التي ستساعدك على تحسين صورة حملتك الإعلانية لتأتي بعد هذه الأدوات إشارة إلى أبرز المساقات التعليمية والشهادات التي يمكنك الحصول عليها لتصبح خبيرًا في التسويق عبر شبكات التواصل الاجتماعي ، وإشارة أيضًا إلى بعض الكتب العربية التي ستفيدك في هذا المجال .
وفي نهاية الكتاب اختار بسام السيد مجموعة من المقالات في مجال التسويق الاجتماعي ” وعددها 15 ” تتضمن نصائح و تجارب من شخصيات عملت واحترفت في التسويق عبر شبكات التواصل الشهيرة .
وكما أشرت في البداية فإن كتاب سوشيليات سيفيد بلا شك من بدأ لتوه الدخول في هذا المضمار ولكن كانت لي بعض الملاحظات على الكتاب كالإشارة إلى أساليب تسويقية قد تعتبرها شبكات التواصل الاجتماعي نفسها طرق غير شرعية كطريقة ” تابعني أتابعك ” على شبكة Instagram لجمع أكبر عدد من المتابعين أو استغلال شهرة ” وسم Hashtag ” معين وظهوره في قائمة الأكثر شعبية على صفحة تويتر الرئيسية وذلك لنشر مواد قد لاتكون ذات علاقة بذلك الوسم ، ولكن الكاتب في النهاية لم يشجع على استخدام هذه الطريقة أو تلك بل هو أشار إلى الطرق والأساليب التي يتم استخدامها بالفعل مع ذكر محاسنها ومساوئها .
وملاحظتي الثانية على الكتاب هو أنه لم يتطرق إلى تفاصيل عملية عن كيفية بدء الحملات الإعلانية على شبكات التواصل الشهير مثل تويتر و فيسبوك ربما لأن الكتاب في الأساس هدفه تسليط الضوء على هذه الأساليب لا التعمق بها وشرحها بالتفصيل وقد يكون السبب الآخر أن شبكات التواصل هذه تقوم بتغيير خوارزمياتها و طرق عمل الحملات بين الحين والآخر، ومع ذلك فقد نشر الكاتب على حسابه على تويتركتيبات إلكترونية صغيرة تشرح كيفية عمل حملات على بعض الشبكات .
بالنسبة لي كمهتم بالتسويق الإجتماعي الجديد أضاف ” سوشليات ” إلى تجربتي شيئًا جديدة وتعرفت من خلاله على المزيد من الأدوات والأساليب ، ويكفي أنه محاولة جديدة ” من محاولات ليست بكثيرة ” لإضافة شيء جديد إلى الثقافة العربية فيما يتعلق بالتسويق الإلكتروني باللغة العربية .
يمكنك شراء كتاب سوشليات من موقعه الرسمي وسعره 65 ريال سعودي بأجور شحن رمزية داخل المملكة العربية السعودية و معقولة بالنسبة للشحن خارج المملكة .
أيديولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي وتشكيل الرأي العام
أيديولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي وتشكيل الرأي العام
يعالج كتاب "أيديولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي وتشكيل الرأي العام"، كما يبدو من خلال المصطلحات المفتاحية الأربعة المسطورة في العنوان؛ باعتبارها دالَّة على محتواه، تأثيرات المنصات الاجتماعية في صناعة الرأي العام الإلكتروني، والآليات والأساليب التي تُستخدم في تكوينه. ولئن كان هذا الموضوع شكَّل مجالًا لأبحاث جامعية ودراسات إعلامية كثيرة منذ نهاية تسعينات القرن الماضي، ثم تناسلت هذه الأبحاث في سياق التحوُّلات التي عرفها المجال العربي منذ العام 2011، فإن المقاربة التي يعتمدها الكتاب تستند لرؤية توليفية؛ تكمن في دراسة الأطر المرجعية التي تُحدِّد دينامية هذه الشبكات بوصفها وسيطًا أيديولوجيًّا؛ يُنْشِئُ السياقات (العوالم الافتراضية) التي تجعل المستخدمين يحتكمون إلى الاهتمامات السائدة فيها، فتصبح هنا الوسيلة أو المنصَّة في ذاتها مُؤَدْلَجَةً، وليس المحتوى وحده، خلافًا لما دَرَجَتْ عليه الدراسات والنظريات الإعلامية التقليدية التي تربط جوهر أو طبيعة الوسيلة بمضمون الرسالة الإعلامية. ويُثير هذا الطابع؛ أي: أيديولوجية الوسيلة، إشكالًا فلسفيًّا بشأن "جوهرانية"* شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها؛ التي تُجسِّد رؤية معينة وتصوُّرًا مخصوصًا للعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتُكَوِّنُ المظاهر العامة أو نمط الحياة؛ حيث لا يمكن الفصل بين الوسيلة والغاية.
ويبدو هذا البُعد الإشكالي مُفَكَّرًا فيه، باستدعاء نظرية الحتمية التكنولوجية؛ إذ يُؤَطِّرُهُ مؤلِّف الكتاب، الدكتور معتصم بابكر مصطفى، في سياق الدور الكبير الذي بدأت تقوم به تقانة المعلومات في رَسْمِ معالم مجتمع الألفية الثالثة؛ حيث تمتاز بتأثير متزايد على جميع عناصر منظومة المجتمع؛ الأمر الذي جعل من الصعوبة فكَّ الارتباط بين الثقافة والتقانة؛ إذ تقوم تكنولوجيا المعلومات الجديدة بتحطيم العقبات والعراقيل الزمنية، والعلاقات الاجتماعية الهرمية والتصنيفات الطبقية التقليدية؛ لأن ثقافة الوسائط المتعددة والشبكات تُشجِّع المستخدم على الذوبان والانصهار في عالم الرَّقْمَنَة... لذلك فالمجتمع في علاقته مع وسائط الاتصال الجديدة لا يتم تشكيله وبناؤه وفق التأثيرات الوافدة عليه عبر هذه الوسائل فحسب، بل يذوب معها كليًّا. ويجمع بين المجتمع والشبكات ما أطلق عليه البعض: المجتمع ذو البُعد الواحد، أو تعبير فلاسفة ما بعد الحداثة مجتمع "الرُّحَّل الجدد" الذي يُجْهِز على جميع الاختلافات والتمايزات ويُوحِّد أفراده في نظمهم ومعاييرهم وأذواقهم في نمط واحد انطلاقًا من مبدأ الحركة، سواء كانت حركية واقعية أو افتراضية عن طريق السفر والترحال عبر وسائط الاتصال والشبكة العنكبوتية، وهو ما يدفع إلى انصهار والتقاء وتزاوج ثقافات عديدة بين شعوب مختلفة في بقع جغرافية محددة(1).
انطلاقًا من هذا المدخل يميز المؤلف، في سياق تحديده لأبعاد أيديولوجيا الإعلام، بين الإعلام باعتباره عملية نشر معلومات وأنباء وثقافة، وبين الوسائل الإعلامية المحصورة في التقنيات؛ أي: وسائط الاتصال التي تمنح الفكرة قوة مادية، ويشير إلى أن الاختراعات التقنية، وإن كانت تشكِّل منظومة، لا تقتصر على كونها منظومة تقنية، وإنما تقنية ثقافية، ومن ثم فإن الهيمنة الفكرية والأيديولوجية لا تُمارَس فقط بواسطة محتوى الرسائل، وإنما بواسطة التقنية التي تحملها وتبثها وتُرَتِّب أشكال فَرْضِها وتلقيها. لذلك، يكتسب الوسيط الناقلُ التأثيرَ الأهم في بناء الثقافة والمعرفة وفي تصور الكون كله. فالمعنى الذي تحمله الرسالة وانعكاساتها الاجتماعية تختلف باختلاف الوسيط الحامل لها. فقد أصبحت أهم الصور التي نرسمها وأهم الأفكار التي نُشكِّلها عن الناس والأشياء والأنظمة والمجتمعات مأخوذة عن تكنولوجيا الاتصال الحديثة؛ فالوسيط الثقافي وسيطٌ تَأْسِيسِيٌّ أيضًا يُنْتِجُ الأفكار، ويُمركزها، ويُديرها في فلكه ويُنظِّمُها؛ فالأمر لا يتعلق ببنية ثقافية، بل ببنية تقنية ومُؤَسَّسِيَّة في الوقت نفسه، فالتقنية في خدمة المؤسسة(2).
أيديولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي
يحاول المؤلف، بأدوات الباحث الأكاديمي ورؤية الممارِس للعمل الإعلامي، رصد أبعاد أيديولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي التي لا تنشأ في الأصل من فراغ؛ إذ تخضع إلى اعتبارات أيديولوجية. فمُؤَسِّسو الشبكة سواء كانوا أفرادًا أو جماعات يتبنَّون أفكارًا معينة، وتنشأ بناء على هذه الأفكار الشبكة (نموذج شبكة الفيسبوك). وهذا لا يعني أن هناك حالة سكونية في البناء الشبكي؛ إذ قد تتغيَّر الوُجهات الفكرية لمؤسسي الشبكة تبعًا لتغيُّر الأيديولوجيا المسيطرة على تفكيرهم، خاصة أن الأيديولوجيات ليست حتمية(3) وهنا، يتوقف الكتاب عند مُحدِّدات مختلفة تُبرز الطابع الأيديولوجي للشبكات الاجتماعية، ويأتي في مقدمتها:
• الأيديولوجيا السياسية وما يدور حولها من أحداث؛ إذ احتضنت هذه الشبكات أشكالًا من المداولة والنقاش حول الشأن العام، وسمحت للنخب السياسية بتجاوز آليات تغييبها من المجال العمومي التقليدي الذي تسيطر عليه الدولة.
• الشبكات الاجتماعية لا تعمل بمعزل عن سياقها، أي: المجتمع الافتراضي. وإذا كانت الفرضية الأساسية للمجتمع الافتراضي منذ نشأته ترتكز على مشاركة الاهتمامات، فإن الأفراد أو الجماعات عند النفاذ إلى الشبكات الاجتماعية يحتكمون إلى الاهتمامات، التي تُعدُّ بدورها مُحدِّدًا أيديولوجيًّا ينطوي على عنصر اختيار يَستمدُّ مرجعيته من الأطر الفكرية الحاكمة للمستخدمين.
• الدخول إلى الشبكة والخروج منها تبعًا للتغيرات التي تطرأ على معتقدات وأفكار المستخدمين؛ فالتفاعلات التي تتم في إطار الشبكات الاجتماعية تتحرَّر فيها الأيديولوجيا من حواجز الزمان والمكان، ولكنها لم تستطع أن تنفكَّ عن أصولها الفكرية التي تمنح الفرصة للنفاذ أو الخروج أو عدم الاشتراك.
• أفرزت الشبكات الاجتماعية أشكالًا جديدة من الفعل الجماعي، وخلقت فضاءات بديلة احتضنت جماعات افتراضية تكوَّنت حولها مشاغل مشتركة سياسية واجتماعية وفنية ورياضية ومهنية تنطلق من أيديولوجيات متعددة.
• بروز قادة رأي عام جدد لهم منابرهم الإعلامية وتقنياتهم الخاصة لحشد الجماهير وتعبئة الأفراد.
قد تكون هذه أهم مُحدِّدات أيديولوجيا الشبكات الاجتماعية من وجهة نظر المؤلِّف، لكن ثمة مُحدِّدات أخرى بعضها يجد مُسَوِّغاتِه في سياق تحولات الواقع العربي الراهن؛ حيث برز فاعلون جدد من غير الدول لا يألون جهدًا في التسلُّل للمجتمع الشبكي، الذي أصبح ناظمًا للعلاقات السياسية والاجتماعية والإنسانية والاتصالية ومُتحكِّمًا فيها أيضًا؛ إذ يحاول هؤلاء استغلال أية وسيلة أو مِنَصَّة لتكون وَسْمًا لهويتهم، وبعضها الآخر (مُحدِّدات) مرتبط بخصوصية مجتمع المعلومات، ويمكن حصرها في:
1. المجتمع الشبكي دفع بعض الجماعات المسلَّحة والتنظيمات الجهادية لأن تجعل من شبكات التواصل الاجتماعي عنوان هُويَّتها الإلكترونية، بل سعت إلى إنشاء شبكات خاصة (نموذج "خلافة بوك"، وهو موقع للتواصل الاجتماعي أطلقه أنصار تنظيم الدولة الإسلامية، لكنه أصبح خارج الخدمة بعد يوم واحد من إطلاقه) لتكون عنوانًا دالًّا على كينونتها؛ تنشر عبرها دعايتها ونسقها الفكري والقيمي، فتغدو المنصة أو الوسيلة هنا ليس فقط حاملة للخطاب أو الرسالة الإعلامية الـمُؤَدْلَجَة لهذه الجماعة أو ذاك التنظيم، وإنما تصبح المنصة/"الوسيلة هي الرسالة"(4) في ذاتها بحسب المقولة المشهورة لعالم الاتصال شارل ماكلوهان.
2. الحروب الإلكترونية التي يشنُّها الأفراد، أو الجماعات، أو الدول، مُسْتَهْدِفَةً مواقع شبكات التواصل الاجتماعي تكشف الطابع الأيديولوجي لهذه الحروب، وتؤكد من جانب آخر الصراع حول المعاني والأفكار والتصورات والرؤى (صراع أيديولوجي) التي تحملها المضامين الإعلامية لتلك المواقع. فتكون بذلك الشبكات منصَّات لصراع أيديولوجي فكري أو عقائدي أو مذهبي أو سياسي أو صراع حول النفوذ والمصالح، بل تتحول إلى وسائط حرب أيديولوجية وفكرية بالموازاة مع الحرب التقليدية.
3. التدفُّق المعلوماتي بمصادره المختلفة، الذي يُشكِّل سَيْلًا مُنْهَمِرًا باتجاه مستخدمي الشبكات الاجتماعية، يَرْسُمُ طريقة التفكير أو ما يجب أن يُفَكِّر فيه المستخدم ويعرف عنه ويشعر به، وهو جوهر مضمون الإعلام الـمُؤَدْلَج.
وبجانب تلك المحددات التي رصدها المؤلف في دراسته لأيديولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي، تبرز أهمية أيديولوجيا المضامين الإعلامية نفسها، أو أيديولوجيا الإعلام باعتبار الإعلام رسالة، والرسالة لابد أن تكون مُؤَطَّرَةً برؤية، وهي فكرة أو مجموعة أفكار تسبق السلوك الاتصالي؛ مما يجعل الممارسة الإعلامية نتاج رؤية أيديولوجية؛ وهي المحددات التي تُؤثِّر في عمل القائم بالاتصال(5). بل إن البعض يربط أيديولوجيا الإعلام بتحكم بعض النماذج العقلية للممارسة الصحفية في صناعة الأخبار من خلال المهمات (التكليفات) أو جمع الأخبار وكتابتها والتحرير والمقابلات(6)، وهو ما يعني أن القائم بالاتصال يبذل جهدًا في تنظيم محتوى الرسالة الإعلامية الذي يرتبط بالقدرة على الإقناع؛ مما يفرض عليه اتخاذ قرارات، مثل: تحديد الأدلة التي سوف يستخدمها، وتلك التي سوف يستبعدها، والحجج التي يُسْهِب في وصفها، وتلك التي يجب أن يختصرها، ونوعية الاستعمالات التي يستخدمها ومدى قوتها، فكل رسالة إقناعية هي نتاج للعديد من القرارات بالنسبة لشكلها ومحتواها، وأغلب تلك القرارات لا يمليها الهدف الإقناعي للرسالة فقط، ولكن تمليها أيضًا خصائص المتلقي، ومهارات القائم بالاتصال(7)، وهو جوهر الرؤية الأيديولوجية للمنتج الإعلامي.
وتأسيسًا على ما سبق يُحدِّد الكتاب أيديولوجيا الإعلام في خمسة أنواع: الأيديولوجيا التقنية (الوسيلة)، أيديولوجيا اللغة، أيديولوجيا النص، أيديولوجيا الصورة، أيديولوجيا الإعلان(8)؛ وهي تثير إشكالًا منهجيًّا يمكن توضيحه بعد استعراض المقصود منها:
1. أيديولوجيا الوسيلة: ترتكز الأيديولوجية التقنية على منح تقنيات الاتصال سلطة معيارية تجعلها العامل الأول في تنظيم المجتمع وإعطائه معناه، والتسليم بخضوع التقدُّم في التواصل الإنساني والاجتماعي لتقدم التقنيات، ومن ثم الاعتراف لتلك التقنيات بالقدرة على تغيير المجتمع تغييرًا بنيويًّا؛ ذلك أن البُعد الأيديولوجي للتقانة قد لا يتراءى في جانب الاستعمال، لكن يظهر جليًّا في جانب التوظيف؛ أي توظيف المستجد التكنولوجي لأغراض لا يغدو عنصر الاستعمال في خضمها إلا تجليًّا من تجليات تلك الأغراض.
2. أيديولوجيا اللغة: تكمن في المعنى الذي يحاول القائم بالاتصال إبلاغه للمستقبل عن طريق الرسالة الإعلامية التي تصل إلى الجمهور عبر اللغة الإعلامية التي تبني بدورها مفاهيم عن الأشخاص والأحداث والوقائع والقضايا التي يعيشونها أو يسمعون عنها، والتي تنقلها وسائل الإعلام. ولا شك أن اللغة الإعلامية التي تحمل هذه الأيديولوجيا إنما هي فعل القائم بالاتصال الذي يحاول إيصال المعنى (الأيديولوجيا) إلى الجمهور.
3. أيديولوجيا النص: قد تكون مباشِرة أو غير مباشرة، ولكنها تُمثِّل على المدى البعيد والتراكمي توجُّهًا أيديولوجيًّا يعكس القيم والأفكار والمعتقدات للقائم بالاتصال، أو المؤسسة الإعلامية، أو المجتمع الذي تُوجَّه إليه الرسالة الإعلامية. ويمكن الوقوف على أيديولوجيا النص في وسائل الإعلام من خلال الوقوف على طرق المعالجة للقضايا والأحداث السياسية والاجتماعية وغيرها، أو شخصيات الكتاب وضيوف الحوارات ومسارات الطرح التي يقدمها القائم بالاتصال في هذه الحوارات، أو معايير ما يُنشر وما لا يُنشر؛ لذلك "يتم إنتاج القصص الإخبارية، بشكل أساسي، عن طريق تقديم ما قد يكون وقائع مفتتة وغير محددة وكأنها أحداث متمايزة ومنفصلة، والاحتفاظ ببعض الوقائع واستبعاد أخرى، وترتيب علاقات معينة بين الأحداث التي تشيِّدها. إن صناعة الأنباء سيرورة تفسيرية تشييدية إلى حدٍّ بعيد، وليست مجرد نقل للوقائع.. وفي بعض الحالات يمكن البرهنة على أن المسلَّمات، وضروب الخطاب التي ترتبط بها، أيديولوجية، والمعاني المسلَّم بها ذات أهمية أيديولوجية كبيرة"(9).
4. أيديولوجيا الصورة: تعتبر الصورة مضمونًا تواصليًّا فعَّالًا وعنصرًا من عناصر التمثيل الثقافي البصري؛ إذ يمكن بواسطتها الوقوف على أهمية العالم البصري في إنتاج المعاني وتأسيس القيم الجمالية والإبقاء عليها، وكشف الديناميات النفسية الخاصة بعمليات المشاهدة والتلقي. ومن هنا، فإن للصورة قدرة احتلالية عميقة في التحوُّل إلى فكرة (أيديولوجيا)، ومن ثم تتحوَّل إلى هدف، والهدف إلى مشروع، والمشروع إلى رأي جماهيري عام، ومن ثم إلى سلوك بشري عن طريق الفضاء وشبكات التواصل الاجتماعي.
5. أيديولوجيا الإعلان: كما يؤثر الإعلان في ترويج السلع والخدمات، فإنه يُسهم في نشر القيم والاتجاهات الجديدة، ويدفع المتلقي إلى تقبُّل أفكار أو أشخاص أو منشآت مُعلَن عنها، كما يعمل على تغيير العادات والأذواق وسط مستقبليه. وحينما يستقبِل مجتمعٌ ما إعلانات تم إنتاجها من قِبَل ثقافة مغايرة لثقافته، فإن الإعلانات تحمل معها قيم ثقافتها، وقد تكون عاملًا من عوامل التغيُّر الاجتماعي.
يبدو هذا التفصيل في أيديولوجيا الإعلام (وحتى شبكات التواصل الاجتماعي) مهمًّا من الناحية المنهجية؛ إذ يُقرِّبنا من آليات اشتغال أيديولوجيا الإعلام، لكن يكشف في الوقت نفسه أن مسألة "أيديولوجيا الوسيلة" لا يمكن أن تكون حاسمة في التأثير على الرأي العام معرفيًّا وعاطفيًّا وسلوكيًّا، كما لا ينبغي أن تأخذ حجمًا أو دورًا يتجاوز أهمية العناصر الأخرى. فقد تابعنا خلال مسارات التغيير التي عرفها المجال العربي حجم الدور الذي اضطلعت به شبكات التواصل الاجتماعي؛ فبالقدر الذي كان لها دور في مسارات تلك الأحداث كان هناك أيضًا مستخدمون لهذه الوسائل (المستخدمون الذين ينتجون المحتوى)، ومُسْتَقْبِلون لهذا المحتوى، ثم رجع الصدى، فضلًا عن السياقات الاجتماعية والثقافية والتاريخية للمضامين الإعلامية. ولعل مآلات بعض الحالات الثورية التي مكَّنت الثورة المضادة من الوصول إلى السلطة (نموذج الحالة المصرية) يؤكد محدودية هذه الوسائل وفاعليتها "في التغيير البنوي".
شبكات التواصل الاجتماعي وتشكيل الرأي العام الإلكتروني
ينطلق المؤلِّف في دراسة دور شبكات التواصل الاجتماعي واستراتيجياتها في تشكيل الرأي العام من أبنية نظرية إعلامية متعددة ومداخل مختلفة لتحديد التأثير الذي تُحدثه الشبكات الاجتماعية في المستخدمين، وتشمل هذه المداخل نظرية التسويق الاجتماعي التي تتناول كيفية ترويج الأفكار التي تعتنقها النخبة في المجتمع لتصبح ذات قيمة اجتماعية معترف بها. وتقوم وسائل الإعلام وفق هذه النظرية بإثارة وعي المستخدمين عن طريق الحملات الإعلامية التي تستهدف تكثيف المعرفة لتعديل السلوك بزيادة المعلومات المرسلة للتأثير على القطاعات المستهدفة من الجمهور، وتدعم الرسائل الإعلامية بالاتصالات الشخصية، وكذلك الاستمرار في عرض الرسائل في وسائل الاتصال، عندها يصبح الجمهور مُهْتَمًّا بتكوين صورة ذهنية عن طريق المعلومات والأفكار، وهنا تسعى الجهة القائمة بالاتصال إلى تكوين صورة ذهنية لربط الموضوع بمصالح الجمهور وتطلعاته.
ويرصد المؤلِّف أيضًا أهمية الثورة الاتصالية الكبرى والتكنولوجيا الجديدة لوسائل الإعلام الإلكترونية في ظهور فضاء عام اجتماعي جديد يخضع لمثالية الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس، ويعتمد على أن يكون الرأي العام حرًّا في حركة المعلومات وتبادل الأفكار بين المواطنين. وتؤكد نظرية المجال العام على أن وسائل الإعلام الإلكترونية تخلق حالة من الجدل بين الجمهور تمنح تأثيرًا في القضايا العامة وتؤثِّر على الجهة الحاكمة. والمجال العام يمكن رؤيته كمجال حياتنا الاجتماعية الذي من خلاله يمكن تشكيل الرأي العام.. ولمواقع التواصل الاجتماعي دور في تحقيق الديمقراطية، فهي في حال المجال العام يُنظر إليها كمحيط سياسي.
وفي ذات السياق يمكن توظيف نظرية الاستخدامات والإشباعات لبيان دور شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام؛ وذلك بالنظر إلى الإشباعات التي تُقدِّمها شبكة الإنترنت لمستخدميها بأصنافها المختلفة (إشباعات المحتوى، وإشباعات الاتصال).
وتُعتبر الشبكات الاجتماعية أيضًا وسائلَ اتصال ثريَّة؛ لأنها استنادًا إلى نظرية ثراء وسائل الإعلام تمتلك قدرًا كبيرًا من المعلومات؛ فضلًا عن تنوُّع المضمون المقدَّم من خلالها، ومن ثم تستطيع هذه الوسائط التغلُّب على الغموض والشك الذي ينتاب الكثير من الأفراد عند التعرُّض لها. كما أنها تتميز بسرعة رد الفعل، وقدرتها على نقل الإشارات المختلفة باستخدام تقنيات تكنولوجية حديثة، والتركيز الشخصي على الوسيلة، واستخدام اللغة الطبيعية.
ويحصل تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في الرأي العام من خلال ثلاثة مستويات مترابطة؛ تتمثل في المستوى العاطفي؛ حيث إن تزايد المجموعات عبر الشبكات يؤدي إلى إعادة صياغة العواطف والتأثير في الأذواق والاختيارات بناء على النموذج الـمُقدَّم في هذه المجموعات، ثم هناك المستوى المعرفي وهو مرتبط بالبُعد السابق، فالمجموعات أصبحت مصدرًا جديدًا من مصادر إنتاج القيم وتلقين المعارف (الأيديولوجيا) وتشكيل الوعي بالقضايا المختلفة. والمستوى الثالث هو البُعد السلوكي الذي يُعدُّ أعمق هذه المستويات ولاحقًا لها.
خاتمة
بالقدر الذي سعى فيه المؤلف إلى إبراز دور شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام وتأثيرها في رَسْمِ وتوجيه اهتمام المستخدمين نحو الموضوعات والقضايا التي تمثِّل أولوياتهم وفرض أجندة مُحدَّدة على المواطن والمثقف والسياسي؛ محاولًا المساعدة في كيفية التعامل مع هذه الوسائل وما قد يرد فيها من معلومات وأفكار وأيديولوجيات، لا تزال هناك حاجة إلى استقصاء تأثيرات شبكات التواصل الاجتماعي في الرأي العام الإلكتروني أساسًا واختبار أساليبها ودراسة طبيعة هذه التأثيرات ومتغيراتها، وهو ما لم يعالجه الكتاب لقياس فرضياته والتحقق من المنطلقات الـمُؤَسِّسة لأطروحته. وتكمن أهمية هذا الاستقصاء (ودراسة حالات متنوعة) في أن الأبحاث التي تتناول موضوع تأثيرات الشبكات الاجتماعية أصبحت تُسلِّم بشكل مطلق بدورها وقدرتها على إحداث التغيير بإعطائها بُعدًا حتميًّا في التحولات الجارية دون النظر إلى الرسالة والقيم التي تحملها (الأيديولوجيا) وسياقاتها المختلفة الاجتماعية والثقافية والتاريخية، والبحث في وضع المرسِل والمستقبِل والفاعلين في هذا التغيير. كما تتعقَّد دراسة هذا الموضوع أكثر عندما يكون المعنيُّ بالاستقصاء هو الرأي العام الإلكتروني في ظل الفجوة الرقمية التي يعرفها المجال العربي؛ ما يجعل الأمية الرقمية لا تمس الفئات المحرومة من التعليم فقط، وإنما تشمل أيضًا الفئات المتعلمة التي لا يمكنها الوصول أو النفاذ إلى الشبكات وتبادل المعلومات؛ فضلًا عن الطبيعة السائلة لهذا المصطلح (الرأي العام الإلكتروني) وصعوبة تحديده وضبطه
معلومات عن الكتاب
العنوان: أيديولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي وتشكيل الرأي العام
المؤلف: د.معتصم بابكر مصطفى
مراجعة: د.محمد الراجي
الناشر: مركز التنوير المعرفي
تاريخ النشر: 2014
عدد الصفحات: 349
________________________
*د.محمد الراجي: باحث في مركز الجزيرة للدراسات
تحليل المحتوى في العلوم الإنسانية ؛ مفهمومه، أسسه، استخداماته
تحليل المحتوى في العلوم الإنسانية ؛ مفهمومه، أسسه، استخداماته
تاليف: رشدي أحمد طعيمة
- نشر سنة 2008
- 908 صفحة
- ISBN 977-10-1870-1
- دار الفكر العربي
مراجعة:
علي مدي السنين العشر الماضية شهدت ساحة البحث العلمي في مجال تحليل المحتوي مستجدات كثيرة لعل من أهمها :
- تغير الرؤية في كثير من جوانب تحليل المحتوي سواء فيما يتصل بالمفاهيم أو بالمنهجيات.
- التوسع في استخدامات تحليل المحتوي حتى غطت مختلف مجالات العلوم الإنسانية بل العلوم التطبيقية أيضاً.
من هنا كان لابد أن يواكب تحليل المحتوي في العلوم الإنسانية حركة التقدم هذه، مما استدعي ما يلي: - مراجعة معظم المفاهيم ومنهجيات البحث.
دراسة العديد من الدراسات الحديثة (حتى يناير 2004) التي وظفت هذا الأسلوب سواء بالحديث عنها إجمالا أو تفصيلاً.
- جمع المعلومات التي كانت متناثرة وضمها في فصول مستقلة مثل المعالجات الإحصائية.
- ويعالج الكتاب فصولاً معاصرة حول مشكلات تحليل المحتويات العامة والإجرائية والموضوعية، وكذلك فصلاً حول مناهج البحث التربوي بشكل عام.
- زيادة عدد النماذج البحثية التي استخدمت تحليل المحتوي سواء في قطاع الإعلام أو الأدب أو التربية أو التقويم والقياس أو حتى تعليم مهارات تحليل المحتوي ذاتها.
mardi 6 mars 2018
برنامج الملتقى الوطني : الإعلام الجزائري...اشكالية التكوين.....كلية علوم الإعلام، جامعة قسنطينة مارس2018
جامعة صالح بوبنيدر - قسنطينة 3
كــلية علوم الإعـلام والاتصال
قسم الصحافة
مخبر علم اجتماع الاتصال والترجمة
ينظمان
الـــملتقى الوطني الأول
الإعلام الجزائري إشكالية التكوين الأكاديمي والمهني
تحت شعار :
الإعلام الجزائري...تحديات اليوم ......تطلعات الغد
يوم 18 مارس 2018
بقاعة المحاضرات لكلية علوم الإعلام والاتصال
Inscription à :
Articles (Atom)
-
الاتصال العمومي - أسس وتقنيات تأليف: نبيلة بوخبزة عن الطبعة: نشر سنة 2014 143 صفحة ISBN 9931-03-005-8 دار هومه للطباعة والنشر وا...
-
تاريخ ظهور أبحث نظرية الأجندة: رجع الباحثون في تاريخ وضع الأجندة إلى أن أول إشارة مباشرة إلى وظيفة وضع الأجندة "ترتيب الأول...
-
كتاب نظريات الإعلام والاتصال ل: نسرين حسونة كتاب نظريات الإعلام والاتصال ل: د. نسرين حسونة يتناول هذا الكتاب نظرية وضع الأجندة The Agen...